جريدة الرياض - 10/23/2025 5:06:11 PM - GMT (+2 )
على امتداد الساحل الغربي للمملكة، يمتد البحر الأحمر كصفحة زرقاء تتلألأ بين صحراء وسماء، تتقاطع فيها روايات الطبيعة مع طموحات الإنسان. إنه بحر لا يشبه غيره، بحر يختزن الحياة في كل تفاصيله، ويُخفي بين طبقاته أسراراً لم تُكتشف بعد، في مياهه الدافئة وأعماقه التي تنبض بالحركة، حيث تتجاور الدهشة بالعلم والجمال بالمسؤولية.
في هذه المساحة البحرية الثرية، تتجلى صورة فريدة من صور التنوع الحيوي؛ أكثر من 300 نوع من الشعاب المرجانية تزدان بها مياهه، تحتضن آلاف الكائنات من الأسماك والكائنات الدقيقة والنادرة، في مشهد بيئي تتناغم فيه الطبيعة بأعلى درجات التوازن. وقد أثبتت الدراسات أن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر هي من بين الأكثر قدرة في العالم على مقاومة الحرارة والملوحة، ما يجعلها نموذجاً عالمياً يُستفاد منه في فهم سلوك النظم البيئية تحت الضغط المناخي، ويمنح البحر الأحمر موقعاً ريادياً في المشهد البيئي العالمي.
وإلى جانب هذا الثراء الطبيعي، تنبض الحياة في البحر الأحمر بإيقاع سياحي آخذ في التبلور. فالشواطئ الممتدة من تبوك شمالاً إلى جازان جنوباً، لا تُقدّم مشهداً بحرياً فحسب، بل تجربة متكاملة تجمع بين الرفاهية والاستدامة. هنا تتحول المغامرة إلى وعي بيئي، والغوص إلى رحلة معرفية، والاصطياف إلى علاقة تفاعلية مع البحر ذاته. في هذه التجارب تتجلى فلسفة المملكة في سياحتها الساحلية: الوجهة الترفيهية، والتنمية المسؤولة، والاستمتاع الذي لا يعتدي على البيئة، بل يحافظ عليها ويُنمّيها.
ومع كل موجة تعبُر هذا البحر، تتجدد فرص الاستثمار في قطاع يُعد من أكثر القطاعات الواعدة ضمن رؤية السعودية 2030. فالمراسي الحديثة، والأنشطة البحرية المتنوعة، ورحلات الغوص واليخوت، جميعها باتت تشكل روافد اقتصادية متنامية تدعم الاقتصاد السياحي وتوفر تجارب فريدة للسياح والممارسين. غير أن ما يميّز هذه التنمية هو ما يوازيها من تنظيم وانضباط، إذ تمضي الجهود بخطى مدروسة توازن بين توسّع القطاع واستدامة البيئة البحرية، ليبقى البحر الأحمر وجهة نابضة بالحياة، آمنة وجاذبة في آنٍ واحد.
وتعمل الجهود الوطنية بتناغم لصيانة هذا الإرث الوطني. وفي مقدمتها الهيئة السعودية للبحر الأحمر من خلال تنظيم الأنشطة السياحية الساحلية، ورفع معايير السلامة والأمان، وتطبيق أفضل الممارسات الدولية في هذا الصدد، ليست إجراءات مُضنية، بل ضمانات للحفاظ على جوهر التجربة البحرية وامتدادها عبر الأجيال. إضافةً إلى تشجيع الاستثمار عبر تقديم المساندة الإدارية والفنية والاستشارية لهم.
وهكذا، بين الأعماق التي تختزن أسرار الحياة، والسطح الذي ينعكس عليه ضوء النهضة، يظل البحر الأحمر مساحة تتقاطع فيها الطبيعة والطموح. إنه بحرٌ يتجاوز كونه جغرافيا، ليصبح قصةً من قصص الرؤية السعودية التي اختارت أن تجعل من البحر شريكًا في التنمية، ومن الاستدامة عنوانًا للتطور. بحرٌ لا يزال يقول للعالم: هنا، في قلب المملكة، تتجدد الحياة كل يوم بلونٍ أزرق، لا يُبهت.
إقرأ المزيد


