جريدة الرياض - 7/18/2025 12:06:36 AM - GMT (+2 )

يتطور المشهد الصناعي اليوم بوتيرة متسارعة، لتصبح المرافق الصناعية العملاقة -التي تمتد على ملايين الأمتار المربعة وتضم مئات المباني وتستوعب عشرات آلاف العاملين- هي النمط السائد الجديد. ولم تعد هذه المنشآت مجرد توسعة للمصانع التقليدية، بل تحوّلت إلى منظومات تشغيلية متكاملة، أشبه بمدن مكتفية ذاتياً، حيث قد ينعكس كل قرار تشغيلي على استثمارات بمليارات الدولارات، وفقاً لريتشارد مورل، مدير عمليات نموذج وكيل إدارة المرافق لدى شركة "إنجي سوليوشنز".
وأضاف مورل، يتطلب هذا التحوّل تغيّراً جذرياً في آلية إدارة المرافق. فطرق الإدارة التقليدية، التي تركز على الصيانة وضبط التكاليف، لا يمكنها أن تتناسب مع تحديات هذه المشاريع الصناعية العملاقة. ومن هنا تبرز ضرورة اعتماد نموذج جديد يرتقي بإدارة المرافق من دورها التشغيلي الداعم إلى تخصص استراتيجي محوري ضمن منظومة الأعمال.
وفي هذا السياق، يقدّم نموذج أف أم إيه (وكيل إدارة المرافق) نهجاً شاملاً يجمع بين الخبرة عالمية المستوى، والتكنولوجيا المتقدمة، والرؤية الاستراتيجية، لتمكين المؤسسات من التعامل بكفاءة مع التعقيدات التشغيلية للمرافق الضخمة.
يمثل نموذج وكيل إدارة المرافق نقلة نوعية في كيفية تعامل القطاع مع العمليات التشغيلية للمرافق الضخمة، فبدلاً من التعامل مع إدارة المرافق كمجموعة من الخدمات المنفصلة، يوفر نموذج وكيل إدارة المرافق مركزاً معرفياً للمنظومات الصناعية المعقدة، حيث يدمج مختلف الخبرات التشغيلية في إطار موحد للتميز.
ويجمع هذا النموذج خبراء متعددي الجنسيات يجسدون أرفع الخبرات في مجالات لوجستيات النقل، وإدارة النفايات، والخدمات المادية وغير المادية، وأنظمة الطاقة، وإدارة القوى العاملة. ويعزز هذا النهج تبادل أفضل الممارسات الصناعية من جميع أنحاء العالم، كما يدعم الابتكار من خلال دمج التقاليد التشغيلية المتنوعة.
وبين مورل، ويتجلى تأثير هذا النهج عند النظر إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها المرافق الحديثة. على سبيل المثال، يمتدّ مشروع مجمع الملك سلمان للصناعات البحرية في رأس الخير على مساحة 12 مليون متر مربع ويضم أكثر من 500 منشأة ويُتوقّع أن يصل عدد موظفيه إلى 25 ألفاً. كذلك، مشروع "حديقة الملك سلمان للطاقة" (سبارك) ينطوي على تعقيدات هائلة تتطلب تطوراً تشغيلياً غير مسبوق. فإلى جانب الصيانة الاعتيادية، تُقدم "إنجي سوليوشنز" تنسيقاً متكاملاً في هذه البيئات المعقدة والضخمة.
التكنولوجيا كمنظومة مركزية
في مجال إدارة المرافق الضخمة، تغدو التكنولوجيا كمنظومة مركزية تدعم التنسيق التشغيلي. وتتعامل نظم (إدارة المرافق بمساعدة الحاسوب) عند هذه الدرجة من الضخامة مع كميات هائلة من البيانات القادمة في الوقت الفعلي من مئات المباني وآلاف الأنظمة، حيث تحوّل هذه البيانات إلى معلومات قابلة للتنفيذ.
وقد أظهر التكامل التكنولوجي المتقدم نتائج ملحوظة. ففي مشروع "الصناعات البحرية الدولية"، تم تحقيق تحسن بنسبة 20 % في الكفاءة بفضل الدقة الرقمية، بينما تُظهر تطبيقات الهاتف المحمول المخصصة للعمليات المعقدة، مثل أنظمة تصاريح العمل، دور الابتكار الرقمي في تبسيط العمليات التشغيلية مع تعزيز الامتثال للسلامة في البيئات الصناعية عالية المخاطر.
ولكن، التكنولوجيا بمفردها ليست كل شيء، فقوة نموذج وكيل إدارة المرافق تكمن في دمج الكفاءات البشرية العالمية مع التكنولوجيا المتقدمة، لتوفير ضمان جودة على المستوى الصناعي، وبروتوكولات سلامة، وصيانة استباقية تحول دون التعطل المكلف. ويمثل هذا المزيج بين الخبرة البشرية والدقة الرقمية مستقبل إدارة المرافق.
تحقيق التميّز المستدام عبر نقل المعرفة
بينما يزداد إقبال العملاء والشركاء على نماذج الأعمال المستدامة، يوفر نموذج وكيل إدارة المرافق قيمة مستدامة من خلال نقل المعرفة بشكل مدروس. وتعمل الفرق متعددة الجنسيات على توجيه وتدريب المواهب المحلية في بروتوكولات الصيانة المتقدمة، واتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات، وتحسين الأنظمة عبر بعضها البعض.
ويكتسب هذا النهج أهمية خاصة في الأسواق الناشئة، حيث تتقاطع خطط تطوير البُنية التحتية مع أهداف تطوير القوى العاملة. وفي مشروع "الصناعات البحرية الدولية"، تتجاوز وثائق ضمان الجودة الشاملة والأدلة والإجراءات والمبادئ التوجيهية التي تقدّمها شركة "إنجي سوليوشنز" مجرد توحيد العمليات؛ فهي تُرسّخ ممارسات عالمية المستوى ضمن القوى المحلية العاملة، بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
والنتيجة ثلاث فوائد في آنٍ واحد: استمرارية تشغيلية للمرافق، ومسارات تطوير مهني للمهنيين المحليين، ونظام إدارة مرافق متطور يستقطب المزيد من الاستثمارات. وبذلك، يسهم نموذج وكيل إدارة المرافق في بناء قوة عاملة قادرة على تعزيز تنافسية المنطقة لعقود قادمة.
نتائج موثوقة واعتراف عالمي
تتجلى فاعلية تطبيق نموذج وكيل إدارة المرافق من خلال نتائج قابلة للقياس. إذ تُحقق تطبيقات القطاع وفورات سنوية بملايين الدولارات، وتحسينات كبيرة في الكفاءة، وانخفاضاً ملحوظاً في فترات التعطل غير المتوقعة. ولعل الأهم من ذلك، أنها تكتسب القدرة على التكيف مع الاحتياجات المتطورة، فحتى التخطيط الأكثر صرامة لا يمكنه توقع جميع الوقائع التشغيلية للمرافق الضخمة.
وبالنسبة لـ شركة "إنجي سوليوشنز"، أكسبتها هذه الميزة تقديراً في مجال إدارة المرافق العالمية، حيث نالت جوائز بارزة مثل "جائزة شريك إدارة المرافق" من جمعية الشرق الأوسط لإدارة المرافق تكريماً لنهجها المبتكر في إدارة المرافق ضخمة النطاق.
ومع تسارع تطوير البنية التحتية العالمية، تقدم الخبرة المستقاة من نموذج وكيل إدارة المرافق خارطة طريق لتحويل الطموح الصناعي إلى نجاح مستدام. ويثبت هذا النموذج أن إدارة المرافق الضخمة يجب اعتبارها تخصصاً استراتيجياً منذ البداية، وتستحق الاستثمار في التكنولوجيا والموهبة بما يعادل البنية التحتية نفسها.
ويتردد صدى الابتكارات التي انطلقت من مشاريع مثل "الصناعات البحرية الدولية" و"حديقة الملك سلمان للطاقة" (سبارك)، في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية. ومن التكيف الديناميكي في مراحل التخطيط إلى التنفيذ المتقن والحائز على جوائز، يُظهر إطار عمل وكيل إدارة المرافق كيف يمكن للمشاريع العملاقة تحويل التعقيد التشغيلي إلى ميزة تنافسية حقيقية، بما يضمن تحوّل الاستثمارات الصناعية الحالية إلى إرث اقتصادي مستدام في المستقبل.وشدد يتطلّب مستقبل العمليات التشغيلية الصناعية إعادة تصور كامل لكيفية تعامل القطاع مع إدارة المرافق. ويمثل نموذج وكيل إدارة المرافق هذا التحوّل؛ حيث تلتقي الخبرة بالتنفيذ، ويصبح كل تحدٍّ فرصةً لوضع معايير جديدة للتميز التشغيلي.ومع زيادة انتشار المرافق الصناعية الضخمة، تقدم المبادئ التي أظهرها نموذج وكيل إدارة المرافق من خلال تطبيقاته الناجحة نموذجاً يحتذى في القطاع. فلن يغيّر دمج الخبرات العالمية والتكنولوجيا المتقدمة ونقل المعرفة طريقة إدارة المنشآت فحسب، بل سيُعيد أيضاً تعريف الإمكانات المتاحة للتشغيل الصناعي.
التحوّل بدأ بالفعل، ومن يتبنى هذا التطور الاستراتيجي سيقود الجيل القادم للتميز الصناعي، بينما يُخاطر من يتمسكون بالنهج التقليدي بالتخلف عن الركب في بيئة تنافسية ومتزايدة التعقيد.
إقرأ المزيد